أقامت جماعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم المقدسة لقاءً احتفائياً بسماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم اليوم السبت 9 مارس 2019 حضره حشد من الفضلاء والعلماء والأساتذة.
وأشاد سماحة آية الله قاسم باتباع العلماء لقيادة الإمام الخميني والإمام الخامنئي، مؤكداً أن قلوب الأمة رجالاً ونساءً، وشباناً وشيباً معهم.
وفي كلمته التي ألقاها أمام الجمع، قال سماحته “من أجل أمة رسالية عظمى وقوية، لابد أن تكون لنا دنيا قوية أيضاً، ودور الحوزة في هذا أن تدفع أبناء الأمة، بنات الأمة، لكل ما يعطي القوة، ولكل ما يعطي النهضة للإنسان المسلم في كل أبعاد الحياة الدنيا”.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا النبي الأعظم الأكرم خاتم النبيين والمرسلين وآله الطيبين الطاهرين
السلام على إمامنا العاشر من أئمة أهل البيت عليهم السلام، الإمام الهادي، وجعلنا الله من مواليه حقاً وصدقاً وموالي أهل البيت المعصومين “صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين”، وثبتنا الله على ذلك ما أبقانا أحياءً في هذه الدنيا.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
اسمحوا لي أنّي لا أملك الكلمات التي أستطيع أن أعبر بها عن عميق شكري لتجشمكم هذا الحضور في حين أنتم أساتذتي وأنتم مشايخي ومنكم أتعلّم..
أُمنيتي أن تدعو لي بالهداية والثبات على خط الهداية وبالولاء لله عز وجل ولرسوله وللأئمة الهدى من آله، وأن أكون محباً للصالحين، مبغضاً للظالمين والكافرين والجاحدين.
أهنئ هذا الشعب الكريم العظيم لأمرين:
الأمر الأول: أن رزقه الله إماماً حقاً، ورجل صدق، رجلاً حمل راية الإسلام وثبت على خط هذه الراية وأخلص إليها، وأنقذ إيران ورفع رأس الأمة وشرّف الإنسانية، ألا أعني به سماحة القائد العظيم والإمام الراحل الإمام الخميني أعلى الله مقامه.
هذا هو الشق الأول من الأمر الأول..
الشق الثاني: أن جاء خليفة الإمام على خطه، يحمل أطروحته، يحمل عقليته، يحمل نفسيته، إرادته، إخلاصه، وفاءه لله تبارك وتعالى، حدبه وعطفه على الأمة جمعاء والإنسانية كلّها.
أما الأمر الثاني، هو أن وفقكم الله عز وجل أن تلتفّوا حول قيادتكم المؤمنة المخلصة الإلهية الكريمة الشجاعة، وجعلكم تنقادون لهذه القيادة التي لا تأخذ خطوة من خطواتكم إلا في اتجاه الله تبارك وتعالى ، ولا تريد منكم ثمناً، وإنما تريد الثمن كل الثمن من الخالق العظيم الله سبحانه وتعالى.
بتميز قيادة الإمام الخميني أعلى الله مقامه، وقيادة الإمام الخامنئي حفظه الله وسلّمه، وبالتفافكم حول هاتين القيادتين، وباتباعكم منهج الله تبارك وتعالى، والإهتداء بقرآنه وسُنّة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، لا تنقذون أنفسكم فقط من النار ومن جحيم الدنيا والآخرة، وإنما تنقذون الأمة كلها، وأنتم على طريق إنقاذ الإنسانية بأجمعها.
هنيئاً لكم هذا، فليس من نعمة أكبر من هذه النعمة، وليس من شرف أعظم من هذا الشرف..
وإنّ معكم قلوب الأمة رجالاً ونساءً، وشباناً وشيباً..
ما من مخلصٍ لدينه، وما من مخلصٍ لأمته، وما من امرء يقدّم تأريخ هذه الأمة ووزن هذه الأمة إلا وقلبه معكم، إلا وصرتم قبلة له، تأخذون به إلى طريق الله تبارك وتعالى،
أنتم اليوم صنّاع أمة، أنتم اليوم صنّاع الإنسانية، أنتم حَمَلة الإسلام ورجاله وشجعانه ومعكم الكثيرون من المسلمين في البلاد الإسلامية عامة.
لكم وظيفة هي وظيفة الإنسان، لكم مسؤولية هي مسؤولية الإنسان، ما هي مسؤوليتنا جميعاً؟
الإنسان ما أعظمه، الإنسان ما أجلّه قدرا، الإنسان ما أرفعه شأنا، وما أخطره، وما أكبر مسؤوليته، وما أشد ما يستقبله من عذاب لو قصّر، وما أرغدها من نعمة وأكرمها من حياة تستقبله لو أحسن، لو وفّى.
بمَّ شَرَّف الإنسان؟ شَرَّف الإنسان أنْ أعدّه الله مشروعاً متكاملاً كاملاً لأن يكون خليفة له في الأرض، إنه الصنع الإلهي المحكم الدقيق الذي أعدّنا جميعاً للخلافة في الأرض، وماذا تعني هذه الخلافة؟ تعني أن يعمر الإنسان نفسه، وأن يعمر أخاه، وأن يعمر الأرض التي هو عليها، وما عمران الإنسان نفسه، وما عمرانه لأخيه الإنسان إلا بأن يصنعهم وَعيّاً، مُدركاً، شاعراً لوزنه، عارفاً بعبوديته، ساجداً لربه تبارك وتعالى.
المهمة الأولى لهذا الإنسان على الأرض، والأَوْلى والألصق به، هي أن يصنع نفسه الصناعة الإلهية التي ترضي الله تبارك وتعالى، ليكون تجلّياً محدوداً لأسماء الله الحسنى، عليه أن يكون الصورة الحيّة الفعّالة المُشرقة الوَضّاءَة التي تستلهم من أسماء الله الحسنى ما تستلهم، ويصنعها صاحبها على ضوء تلك الأسماء الحسنى.
يأتي من بعد ذلك أن يصنع الإنسان أخاه الإنسان، وبنفس الصورة، وبنفس القوام، وبنفس القامة الممتدة السامقة.
أنْ يعمر الأرض، وما عمران الأرض؟ لا أعني بعمران الأرض أن تُزرع وأن تبنى عليها البناءات المادية الشاهقة، إنما أن تعمر بذكر الله تبارك وتعالى، بنظام يسود العالم لإشراقته الإلهية، وبعدله، وحكمته، بنظام ينشر العدل والمحبة ويدفع بالإنسان قُدُماً قُدُماً باتجاه الله تبارك وتعالى.
ماهو الطريق لأن نبني أنفسنا؟ لأن نبني أمتنا؟ لأن نبني الإنسانية بكاملها؟ لأن نعمر الأرض؟
نقطة البدء أن نعرف الإسلام الذي سيقدّم لنا المعرفة الحقيقية لله تبارك وتعالى في جنب ما تشع به الفطرة الأصيلة السليمة التي أوجدها الله عزّ وجلّ من أثر نفخة الروح لهذا الإنسان في كيان الإنسان.
أن نعرف الإسلام أن نحميه من أي شبهة، من أي هجوم ظالم، من أي تشويه من بعيد عدو أو من صديق، ولو باسم الإجتهاد الإسلامي.
نقطة البدء أن نعرف إسلامنا، أن نعرف عظمة الإسلام، حقانية الإسلام، وأن نسير على ضوء الإسلام بما أمر به من تعليمٍ وتزكية، أحدنا ليس مسؤولاً عن معرفة الإسلام لنفسه كما هو معروف عند الجميع، كلنا مسؤولون أن نصنع إسلام الأمة، وأن نصنع للإنسانية كلها الإسلام الحق، أن نقدم لها الإسلام الحق، هذا أول من يُسأل عنه الحوزات العلمية المباركة.
أنتم حوزة قم، حوزة النجف، كل الحوزات الكبيرة والصغيرة، هي التي رضيت أن تتحمل المهمة الكبرى في مهمات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، على مستوى التوعية والتبليغ والتعليم والتزكية.
الحوزة ليست مسؤولة عن التعليم فقط، يُراد للحوزة أن تقدم الإنسان الرسالي، والإنسان الرسالي إنسان متكامل، قادر من ناحية دنيوية وقادر من ناحية أخروية، أنتم لا تصنعون زرّاعاً، ولا تصنعون تجّاراً، ولا تصنعون مقاتلين بشكل مباشر، ولكن دوركم دخيلٌ كلَّ الدخالة في صناعة العسكري المستقيم، الجندي الإسلامي الحق، في صناعة المزارعٍ الأمين المتفقه، في صناعة التاجر الأمين المتفقه، أثركم ينتشر على كل فئات المجتمع وفصائله، وتُسأل الحوزات اليوم عن كل فئات الأمة وليس عن الفئة الطلابية فقط.
والطالب الذي تصنعه الحوزات يجب أن يكون الرجل الإسلامي الذي يحمل همّ الإسلام، ويحمل فكر الإسلام، وشعور الإسلام، ويقظة الإسلام، وفاعلية الرجل المسلم، والإرادة الإسلامية القوية الصلبة الشجاعة،
مسؤولة هي الحوزة في قم وفي النجف وفي كل الحوزات، عن صناعة هذا الإنسان الذي يسابق كل إنسان في الأرض فلا يفوقه آخرة فقط، وإنما يفوقه على مستوى الدين والدنيا،
من أجل أمة رسالية عظمى وقوية، لابد أن تكون لنا دنيا قوية أيضاً، ودور الحوزة في هذا أن تدفع أبناء الأمة، بنات الأمة، لكل ما يعطي القوة، ولكل ما يعطي النهضة للإنسان المسلم في كل أبعاد الحياة الدنيا.
الإنسان أبعادٌ كما تعرفون، الإنسان أبعادٌ متعددة، الشخصية الإنسانية أبعادٌ متعددة، ولا يصح أن تهمل التربية بُعداً من هذه الأبعاد، كلُّ هذه الأبعاد في حراستها، وفي تنميتها، وفي الدفع بها إلى الأمام، مسؤولةٌ هي التربية عنها، ولا شأن لهذا الإنسان، ولا تقدم له، ولا استقرار له في دنيا أو آخرة، ولا رفعة له في دنيا أو آخرة، إلا أن يكون سيره لله تبارك وتعالى وقبلته هذا الدين العظيم، دين الحنفية والفطرة السليمة الأصيلة الطاهرة التي تمثل اشراقةً من روح الله تبارك وتعالى فيما نسميه بالفطرة مما عُدّ عنصرٌ دخيل والعنصر الرئيس في كيان الإنسان وتركيبته.
على كل حال، الإنسان في نهضته، والإنسان في سير نهضته، والإنسان في بناءاته التحتية، وفي بناءاته الفوقية، لا تنفصل مسؤولية الحوزة العلمية عن كل هذه الأمور لهذا الإنسان،
تحديات كبيرة، الصعاب شاقة، عالم كافر قوي مادياً له عساكره المتعددة يواجه هذه الحوزة، ويواجه الإسلام، ويواجه الكيان الإسلامي كله، ويجب أن لا يقابل بشيء من الفتور، أو الغفلة، أو التساهل، أو الاكتفاء ببذل الجهد البسيط، وبعد أن يبذل الإنسان ما في وسعه لا يبقى إلا نصر الله ونصر الله مضمون لمن سعى في اتجاه الله تبارك وتعالى.
كل جيوش الكفر، وكل عساكر الكفر، وكل المختصين والخبراء والميزانيات الضخمة، إلى آخره مما يملكه الكفر، لا يمكن أن يصمد أمام نصر الله للعاملين في سبيله والمخصلين من أجله تبارك وتعالى.
ليس للأمة أحد بعد الله عز وجل في هذا العصر إلا هذه الحوزات وتحت رعاية الإمام القائم عجل الله فرجه وسهل مخرجه وجعل أرواحنا فداه.
إنْ ضعفت الحوزات ضعفت الأمة، وإنْ قويت الحوزات قويت الأمة.
ولا يصح أبداً أن يوصى من هم مثلكم، ولكنها الجرأة التي قادتني إلى مثل هذا.
الحوزة مادة علمية أصيلة وراقية وصادقة، ومنهج ناجح وهو غير المادة، وأستاذ مخلص، وطالب مخلص، والأستاذ المخلص هو من كان همه الأول أن يصل بنفسه وبطلابه إلى الله تبارك وتعالى، والطالب المخلص هو من جاء قم أو النجف لا لدنيا وإنما لشعور شديد بالحاجة إلى فهم دينه وإلى يُمَّكن الصلة بربه، يطلب النجاة عند الله ويطلب الشرف عند الله ولا يطلب شيئاً من ذلك من عند الناس، هذا هو الطالب المطلوب إلى جانب الشروط الأخرى في الطالب النافع الكفوء.
أنتم تعلمّون، وأنتم تُلهمون، وأنتم تفيدون، وهذا التطفل مني أرجوكم أن تسمحوا لي به، غفر الله لي ولكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته