هل کان الأمام الخميني (قدس سره) قد عمل بما اقتضاه التکليف تجاه الثورة الإسلامية أو کان يبغي النتيجة؟ سماحة آية الله محمدجواد فاضل لنکراني يجيب علی هذا السؤال؟

بادئ ذي بدء أبارک لکم حلول عشرة الفجر المبارکة ولا سيما يوم الله 22 بهمن (11 فبراير) الذکری السنوية لانتصار الثورة الإسلامية وقد يکون أکبر أيام ثورتنا آملا أن يکون هذا اليوم وهذه الأيام مستدامة لبلادنا وحکمنا. إن الموضوع الذي قررنا التحدث عنه هو «النسبة بين النزعة التکليفية والبراغماتية». هذا الموضوع نطاقه واسع جدا ويمکن دراسته من شتی الأبعاد. ولکننی أسعی أن أشرح مصداقاً واحداً منه وهو يتمثل في المبادئ الفقهية للثورة الإسلامية ويتضح من هذا المصداق هذا السؤال الأساسي ألا وهو: هل کان الأمام (رضوان الله تعالی عليه) قد عمل بمقتضی التکليف حيال ثورته الإسلامية أو کان طالباً النتيجة؟ حسب رأيي أن التکليف دون النتيجة ليس له مکان في ثقافتنا الدينية کما أن النتيجة التي لا يسبقها التکليف ليست لها أي قيمة. هذه المقابلة بنفسها ليست مقابلة صحيحة  بل وقعت فيها مغالطة. آمل أن تکشف إلی حد ما أرضيات هذا السؤال الأساسي، بعد استعراضی لهذا الموضوع. قبل أن أخوض في البحث اسمحوا لي أن أتطرق إلی نقطة أوجّه إليها انتقاداً. کان الإمام عالماً بارعاً في العرفان، الفلسفة، التفسير والفقه، وليس متبحراً في جميع هذه العلوم فحسب بل کان من الجهابذة العظام الذين نالوا أعلی مراتب هذه العلوم مما أدی إلی ان يكون الإمام شخصية ممتازة عديمة النظير طوال تاريخ رجال الدين. إذا أردنا أن ندرس الأسباب المؤثرة في تکوين شخصية الإمام وهل کان عرفان الإمام وأخلاقه وفلسفته وتفسيره مؤثرة في تكوين شخصيته أم لا؟ في هذا المضمار، يمکن القول بأن البعد المعنوي والمعرفي للإمام کان له دور أکثر في صياغة الشخصية الفردية للإمام، ولکن حسب رأيي، مما لا شک فيه أن الإمام نال أعلی مراتب الفقه. فالرؤی العلمية التي حملها الإمام ورفعته إلی قمة الأمة والمجتمع وکل شيء، تتمثل في فقاهته. وما تسبب في ايجاد الثورة هو هذا البعد الفقهي للإمام. أي أن سماحته لو نال حظا وافراً من العرفان والفلسفة وتوصل إلی مکاشفات وشهود، دون التضلع في الفقه والعثور علی هذه الإبداعات الفقهية اللطيفة والنقاط الدقيقة والدراسات العالية لم تخطر بباله فکرة الثورة ومکافحة النظام الظالم. طبعاً هذا هو معتقدي يجب إثباته ويتطلب هذا المدعی بحوثا عديدة ربما يمکن إثباته إلی حد ما عبر الموضوع الذي أريد أن استعرضه هذه الليلة. أنطلق الموضوع من هنا وهو أن لنا باباً في الفقه باسم «الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر». هذا الباب هو أحد الأبواب الفقهية والذي يعتبر من فروع الدين. من الأسئلة المطروحة في هذا الباب هو هل الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر واجب عيني أو کفائي؟ والسؤال الآخر هو هل هو واجب عقلي أو نقلي أو مرکب من العقل والنقل؟ بعبارة أخری أن هذا الباب مع جميع ميزاته المذکورة في الفقه والشريعة هل للعقل طريق فيه أم لا؟ فربما يبرر العقل أنه لا تعني الآخرين تصرفات الشخص الخاطئة لکي يأمروه أو ينهوه. فعليه ذهب البعض إلی أنه نقلي فحسب. ولکن هذه الأسئلة حالياً ليست محط بحثنا. بل السؤال الرئيسي الذي نطرحه هنا هو أن الإمام استنادا إلی أی مبدأ فقهي بدأ الحرکة الإسلامية؟ هل بدأ مشواره علی أساس العمل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنکر أم لا؟. هناک شرطان مهمان في موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر أشار الفقهاء إليهما أحدهما مسألة التأثير. لقد قال جميع تلامذة الإمام ومنهم والدي المرحوم رضوان الله تعالی عليه لا أحد يحتمل في سنة 1963 و 1964 ميلادية أن يوجد شخص يتمکن من الوقوف أمام النظام البهلوي وقوفاً مؤثراً. هناک رواية في هذا المجال تفيد بأنه من تعرض لسلطان جائر فأصابته منه بلية لم يؤجر عليها ولم يرزق الصبر عليها. فکان الإمام طبعاً متيقناً بأن لم يکن النضال مؤثراً آنذاک، فالرسائل التي قد کتبها (الإمام) في النجف الأشرف بين حين وآخر والتي طبعت بعضها أيضا تدل علی أن الإمام بنفسه لم يثق بتحقق النتيجة. فمسألة النتيجة والتأثير التي أخذت في الحسبان في موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر تعني أن الفقه يرمي إلی النتيجة أيضا. وأما الشرط الثاني فهو: انّ من يريد أن يکافح منکراً يجب أن لا يُعرّض نفسه وماله وعرضه أو أقربائه للخطر؛ فاذا تسبب النهي عن منکر في إيراد الضرر علی نفسه أو متعلقيه أو ملازميه، سقط وجوبه. فعلی أساس هذين الشرطين، کيف يمکن تبرير حرکة الإمام الفقيد؟ قبل أن نرد علی هذا السؤال، أشرح هذين الشرطين قليلا لکي يتوضح الموضوع. يقول بعض الفقهاء إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر واجب في حالة العلم أو الاطمئنان بتأثيره. وأما في حال الظن بعدم التأثير فقد ذهب المحقق الحلي في الشرائع بسقوط التکليف. کما يقول بسقوطه أيضا في حال تساوي الطرفين أو الشک. بيد أن الإمام الفقيد يقول بعدم سقوط هذا الواجب في حال الظن بعدم التأثير ولو کان الظن قويا ويردف قائلا  أن المعيار هو أن يحتمل التأثير احتمالا عقلائيا. واتبعه والدي المرحوم في هذا الحکم قائلا بعدم السقوط في حال الظن بعدم التأثير. کيف تُستخرج هذه الفتوی من هذه الروايات والأدلة؟ حيث إن الآيات المتحدثة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر مطلقة. کهذه الآية المبارکة: «کنتم خير أمة أخرجت للناس»، «ولتکن منکم أمة يدعون إلی الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنکر». يقول القرآن الکريم إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر يجب أن يُعمل بهما حتی مع العلم بعدم التأثير. بينما هناک إجماع علی عدم وجوبهما قطعا عند عدم العلم بالتأثير أو الاطمئنان بعدم التأثير أو في حال العلم بعدم الإفادة. ففي هذه الحالة يقول المحقق الحلي في الشرائع و العلامة في التحرير والشهيد الأول في الدروس و المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة، لو ظن بعدم التأثير سقط وجوبهما ولکن الإمام الخميني يقول إن وجوبهما لا يسقط في فرض الظن بعدم التأثير. وهناک روايات تقوي رأي المحقق الحلي کرواية مسعدة بن صدقة (وسائل الشيعة، ج 16، کتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر، باب اشتراط الوجوب بالعلم بالمعروف والمنکر وتجويز التأثر والأمن من الضرر). فالرواية لها مقدمة کبری. الشخص الذي سأل الإمام الصادق (ع) هل الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر واجب علی الأمة بأسرها؟ أجاب الإمام (ع): لا، إنما هو علی القوي المطاع العالم بالمعروف من المنکر». أي الشخص الذي يكون کلامه مؤثراً. ويستفاد اشتراط التأثير من قيد المطاع. وبعد هذه الرواية في کتاب الوسائل ذکرت رواية مشهورة أخری تقول: «إن أفضل الجهاد کلمة عدل عند إمام جائر». والشخص الذي يسأل الإمام (ع) عن معناه، يرد الإمام: «هذا علی أن يأمره بعد معرفته وهو مع ذلک يقبل منه وإلّا فلا». فتارة يستند البعض إلی هذه الرواية ويعرضون أنفسهم لکثير من المخاطر. ولکن، متی أمر الدين بالمجيء عند صدام أو حاکم جائر آخر فيقول له أنا أريد أن أعمل بهذه الرواية! حيث انّ هذه الرواية ظاهرة في تقييد الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر بالتأثير إن لم نقل بصراحته وذلک مستفاد من قيد «يقبل». وهناک رواية أخری رواها يحيی الطويل الذي يسأل الإمام (ع) فيجيب (ع): «إنما يؤمر بالمعروف وينهی عن المنکر مؤمن فيتعظ أو جاهل فيتعلم، فأما صاحب سوط أو سيف فلا». فالشاه يعتبر أحد أصحاب السوط والسيف بل أحد مصاديقه البارزة. والرواية الأخری وليست الأخيرة نقلها مفضل بن يزيد عن الإمام الصادق (ع) والذي تُفيد بأن الإمام (ع) قال لي: «يا مفضل من تعرض لسلطان جائر، فاصابته بلية لم يوجر عليها ولم يرزق الصبر عليها». کما أن هناک رواية أخری تفيد بأن المأمون سأل الإمام الرضا (ع) عن محض الإسلام. فأجابه الإمام: «محض الإسلام شهادة أن لا إله الّا الله ... إلی أن قال: والأمر بالمعروف والنهي عن المنکر واجبان إذا أمکن ولم يکن خيفة علی النفس». فأينما يقتضي الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر تعرض الآمر أو الناهي للمخاطر النفسية والمالية، يسقط وجوبهما. وکذلک توجد رواية أخری ينبغي دراستها ولا يسعنا هنا استعراض جل ما ورد فيها. فأتطرق إليها باختصار. يشير صاحب الجواهر إلی هذا المبدأ أيضا، حيث يقول: «وليکن أحدکم بمنزلة الطبيب المداوي إن رای موضعا لدوائه وإلّا أمسک». ويعتبر هذا، المبدأ الفقهي للإمام. ولم أتمکن من العثور علی مبدأ آخر لفتوی الإمام سوی هذا المبدأ. فإن يجد العلماء مبدأ آخر غير ذلک، فليعلنوا. وأما السؤال الذي يطرح نفسه هنا فهو أن الإمام في موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر عمل بهما وهو فقيه سبر أغوار الفقه وعلّق علی العروة والوسيلة. ويعتبر هذا من الميزات البارزة لنشاطات الإمام الفقهية کما قام بالتعليق علی العروة بداية ثم بدأ کتابة تحرير الوسيلة مما يدل علی أنه کان فقيها خلط الفقه بلحمه و دمه تماماً، مع هذا هل يعقل أن لم يلتفت إلی الاستنادات التي تسوّغ له وقوفه أمام الشاه والقيام ضده؟ هذا ومن جهة أخری، کان هناک آنذاک علم بعدم التأثير. رداً علی هذا السؤال، إما يجب أن نقول أنه لم يکن له علم بعدم التأثير أو اعتمد علی مبدأ آخر. فسلمنا أن نحل شرط التأثير، کيف يُمکن أن نبرر الشرط الثاني المتمثل في «أن لا يکون في إنکاره مفسدة»؟ حيث يقول الإمام (ع): «لو علم أو ظنّ أن إنکاره موجب لتوجه ضرر نفسي أو عرضي أو مالي يعتدّ به عليه أو علی أحد متعلقيه کأقربائه وأصحابه وملازميه، فلا يجب ويسقط عنه». والملفت للنظر أن أسباب سقوط وجوبهما کانت واضحة آنذاک، حيث کاد أن يحکم عليه بالإعدام، ومن حيث الأضرار المالية أيضا نهبوا أدوات بيته کما أورد الضرر عليه وعلی أقربائه وتلاميذه. فکيف يمکن أن نقول بأن هذه الحرکة کانت علی أساس الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر؟ بعبارة أخری، رغم کون هذه الشروط، هل يمکن أن نبرر حرکة الإمام الفقيد مستندا إلی فتواه نفسه ونعتقد بأن أساس نهضة الإمام بني علی الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر. فعليه، إلی هنا، نستشف أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر لم يمکن لهما أن يعتبرا مبدأ حرکة الإمام، بل يجب أن يکون شيء آخر مبدأ حراکه. فينبغي أن نبحث عما اعتمد عليه الإمام من مبدأ، بحيث لا تقيده شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر. هناک موضوع في الفقه يطلق عليه «حفظ بيضة الإسلام». وعلی الرغم من أن هذه الموضوعات قد اختلطت تارة بموضوع الأمر بالمعروف، کما ذکر هذا الموضوع في فتاوی الإمام ذيل باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر أيضا، ولکن حسب اعتقادي، هذا الموضوع الفقهي يختلف عن موضوع الأمر بالمعروف و لا يرتبط به. کلمة بيضة لغة تعني الحريم. ويعرّفه ابن‌ إدريس في السرائر بأنها مجتمع الإسلام وقد تبعه الآخرون في هذا التعريف. کما فُسّر تارةً بأساس الإسلام. علی کل حال، أحد الواجبات الشرعية هو حفظ بيضة الإسلام. والنقطة المهمة هي علی من يجب؟ هل يجب علی الشعب جميعاً؟ وأساساً هل بإمکان الشعب بأجمعهم استيعاب بيضة الإسلام؟ و هل هو واجب عند وجود المخاطر؟ حسب رأيي، إذا أمعنا النظر في أدلة هذا الموضوع، نتوصل إلی أنه واجب علی فئة خاصة ألا و هي العلماء والفقهاء. حيث هناک رواية تقول: «العلماء حصون الإسلام». الحصن هو حائط يحيط المکان ويحفظه من کل شر و شُبّه العلماء بالحصون أيضا. وهناک بحوث جارية بين الفقهاء في هذا المجال وتحديداً في إمکانية استنباط ولاية الفقيه من تعبير «حصون» أو عدمها. فذهب البعض إلی إمکانيته وصرّحوا بأن الفقيه حينما يريد أن يکون حصن الإسلام فيجب أن تُرجع إليه جميع الأمور لکي يحافظ عليها ولا يمکن المحافظة والإشراف علی الأمور إلا بالولاية والحکومة. بعبارة أخری لا ينبغي استخراج الإفتاء والقضاء من حصون الإسلام فحسب، بل يمکن استنتاج الولاية والحکومة بنفسهما أيضا. حسب اعتقادي لم تطرح هذه الروايات لإثبات الولاية والحکومة للعلماء والفقهاء فحسب حتی يحتج البعض علينا بأنکم تودّودن تعيين القيم للشعب فقط، بل إن نتأمل في هذه الروايات، نلاحظ موضوعاً أکثر أهمية من موضوع الولاية وهو حفظ الإسلام الذي ألقي علی عاتق الفقهاء. ولازم ذلک عندما يری الفقيه أساس الدين متعرضاً للخطر يجب عليه أن يسبق الجميع في الإقدام. وهذا التکليف ليس متوقفاً علی عدم تعرضه للخطر. بعبارة أخری موضوع «حفظ الإسلام» هو الموضوع الوحيد الذي لا تحکم عليه قاعدة لا ضرر و لا حرج و لا تقدّمه أيضا؛ حيث إن قاعدة لا ضرر و لا حرج حاکمة علی أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر. هذا و أنه هناک روايات أخری تفيد بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر يسقط وجوبهما عند الضرر بيد أن وجوب حفظ بيضة الإسلام لا تقيده شروط کما لا تحکم عليه قاعدة. فحينما أصبح الدين علی وشک الخطر، علی الفقيه أولا أن يقوم بشيء للحيلولة دون ذلک، «ولو مع العلم بعدم التأثير». والآن تلاحظون الفرق الشاسع بين هذا الموضوع وموضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر. ففي باب الأخير يقول جهابذة الفقهاء بوجوبهما مع العلم بالتأثير أو الاطمئنان»، کما ذهب الإمام الخميني وعدد من الفقهاء إلی وجوبهما حتی عند الظن بالتأثير أو الظن بعدم التأثير أيضا. ولکن لا تطرح هذه الشروط في موضوع «حفظ بيضة الإسلام»؛ إذ هناک تعرض أساس الدين للخطر. بعبارة أخری الحفاظ علی الدين، من منطلق الشريعة مقدم علی الحفاظ علی النفس والعرض والمال وعلی کل شيء آخر. وفي الحقيقة إحدی الميزات المتميزة للإمام الخميني تتمثل في أنه لم يرد المغامرة والمجازفة أو لم يکن يهمه أن يکون بطلا في عيون الناس أو يقوم بعمل سياسي دون التأمل في عاقبته. بل کان الإمام يسير علی منطق الفقاهة. فعليه، إن لم نتمکن من تفسير حراکه علی أساس مبادئ الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر، يجب أن نبرره بناءً علی مبدأ حفظ بيضة الإسلام. هناک رواية رواها يونس، عن أبي الحسن الرضا قال: قلت له: جعلت فداك إن رجلا من مواليك بلغه أن رجلا يعطي السيف والفرس في سبيل الله فأتاه فأخذهما منه وهو جاهل بوجه السبيل ثم لقيه أصحابه فأخبروه أن السبيل مع هؤلاء لا يجوز وأمروه بردهما؟ فقال: فليفعل، قال: قد طلب الرجل فلم يجده وقيل له: قد شخص الرجل؟ قال: فليرابط ولا يقاتل... حتی قال (الإمام الرضا): وإن خاف على بيضة الإسلام والمسلمين قاتل. (الکافي، ج 5، ص 21؛ وسائل الشيعة، ج 15، ص 29). لقد أطلق الإمام حراکه في حين تيقّن بأن الإسلام کان في خطر. هناک جمل کانت قد انتشرت عن الإمام يقول: «الإسلام في خطر»، «أدرکوا الإسلام». کنا نزعم سابقاً أن هذه المقولات مجرد خطابة في حين أنه کشف لنا هذه العبارات، تعابير فقهية ولا جمل خطابية و غير مستندة علی المسائل الفقهية. والذين لم يتمکنوا من مساعدة الإمام ومتابعته في بداية مشواره الحراکي، ربما توهّموا أنه لا يمکن القيام بشيء اعتماداً علی الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر؛ حيث علموا بعدم التأثر فضلاً عن تعرضهم للمخاطر النفسية والمالية والعرضية. فنحن بأنفسنا کتبنا في الکتب الفقهية، إن کان کذلک، يسقط وجوبهما، بل يحتمل أن يکون غير جائز إذن. فکيف فعل الإمام ذلک؟ والجواب هو أنه فعله معتمداً علی موضوع آخر. فهو لم يخف علی الإسلام فحسب بل تيقّن بأن الإسلام کان علی وشک الانهيار، ولذلک دخل الميدان. ورغم أن إطلاق هذه الحرکة لم يکن أمراً عادياً وطبيعياً، فکيف لم يتردد الإمام؟ يقال في الجواب، لما بدأ الإمام قيامه ضد النظام البائد، قال بعض متذمرين إنه لا يقعد حتی يبيدنا. أي أن هذا الطريق له مخاطر للغاية بحيث ستزول الحوزات کافةً وجميع العلماء الذين يسيرون في هذا النهج، إما يُقتلون أو يسجنون أو يطردون. ولکن رغم جميع هذه المخاطر، أقدم الإمام بناءً علی مبدأ «وإن خاف علی بيضة الإسلام والمسلمين قاتل». کما أسلفنا آنفاً أن موضوع وجوب حفظ بيضة الإسلام يطرح في کتاب الجهاد عادة وأحد الأسئلة الحوزوية التي تختلج الفکر هو لماذا استعرضه الإمام ذيل موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر؟ والجواب هو بما أنه لم يتناول باب الجهاد في کتاب تحرير الوسيلة، فأدرجه تحت باب الأمر بالمعروف. يقول الشيخ الطوسي في کتاب الجهاد عند ذکر شروطه، إن لم تکن هذه الشروط، فالجهاد لا يجوز ثم أردف قائلا: «ألا إن يدهم المسلمين أمر يخاف معه علی بيضة الإسلام ويخشی بواره أو يخاف علی قوم منهم فإنه يجب حينئذ دفاعهم»، وذکرت هذه المسألة في کتب کشف الرموز والتذکرة والمنتهی والرسالة الفخرية والدروس والمهذب أيضا. وهذا مما لا خلاف فيه. فهو واجب لا يقيده الضرر. کما يدل إطلاق الأدلة وسيرة الأئمة وقيام الإمام الحسين (عليه السلام) علی أنه حينما يکون الإسلام في خطر، فلا يهم المؤمن نفسه بل يجب أن تفدی في هذا السبيل. وطرح الإمام الخميني هذه المسألة في الشرط الرابع من شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر حيث يقول: «لو کان المعروف والمنکر من الأمور التي يهتم به الشارع الأقدس، کحفظ نفوس قبيله من المسلمين، وهتک نواميسهم أو محو آثار الإسلام ومحو حجته بما يوجب ضلاله المسلمين أو إمحاء بعض شعائر الإسلام کبيت الله الحرام بحيث يمحي آثاره ومحلّه وأمثال ذلک، لا بد من ملاحظة الأهمية ولا يکون مطلق الضرر ولو النفسي أو الحرج موجباً لرفع التکليف». ومع أن الإمام يعتبر قاعدة لا ضرر حکماً حکومياً ويختلف مبدئه عن الآخرين في هذه المسألة ويقول ليست حاکمة علی الأحکام الحکومية، ولکن يريد أن يقول هنا إن القول المشهور الذي يعتبر قاعدة لا ضرر ولا حرج حاکمةً علی الأدلة الأولية، لا يمکن أن تتقدّم. ثم يقول الإمام: «فلو توقفت إقامة حجج الإسلام بما يرفع بها الضلالة علی بذل النفس أو النفوس فالظاهر وجوبه، فضلا عن الوقوع في ضرر أو حرج دونها» ثم يذکر: «لو وقعت بدعة في الاسلام وكان سكوت علماء الدين ورؤساء المذهب أعلى الله كلمتهم موجبا لهتك الاسلام وضعف عقائد المسلمين يجب عليهم الانكار بأية وسيلة ممكنة ... لو كان في سكوت علماء الدين ورؤساء المذهب أعلى الله كلمتهم خوف أن يصير المنكر معروفا أو المعروف منكرا يجب عليهم إظهار علمهم، ولا يجوز السكوت ولو علموا عدم تأثير إنكارهم في ترك الفاعل، ولا يلاحظ الضرر والحرج». فيستنتج من هذا الکلام أن الإمام لم يحسب موضوع حفظ بيضة الإسلام والذود عنه ضمن موضوع الأمر بالمعروف. ولو کان کذلک، قال جميع الفقهاء يسقط وجوبهما عند العلم بعدم التأثير. فکيف يستثنی هنا؟ فکنت قد تصورت سابقاً أنه استثني من موضوع الأمر بالمعروف فکنت أبحث عن دليله. ولکن توصلت حالياً إلی هذه النتيجة أنه لم يکن مستثنى، بل هو تکليف آخر تحت عنوان «حفظ بيضة الإسلام» و لا تحکم عليه قاعدة لا ضرر ونحوها. ولاحظنا بعد انتصار الثورة الإسلامية أن کلمات الإمام الخميني کانت متمحورة حول الإسلام أکثر من أي شيء آخر، وربما ليست له کلمة إلا وتطرق فيها إلی کيان الإسلام وأساسه. فکل هذه التأکيدات تعود إلی هذا الموضوع المهم. في الختام أدعو أن يحشر الله تعالی إمامنا العزيز مع الأنبياء وخاتم النبيين والأئمة الطاهرين ولا سيما سيد الشهداء سلام الله عليهم.

المصدر: وکالة جماران للأنباء منقول عن جريدة جمهوري إسلامي

 

 

 

 

 

ارسل هذا الخبر الی الاصدقاء