ذكر حجة الاسلام والمسلمين داوود فيرحي، خلال كلمة له موضوعها (معرفة الانسان في فكر الامام)، مشيراً الى بحث حقوق الانسان في زمن (المشروطة- الملكية الدستورية)، ان المرحوم السيد محمد الطباطبائي، ولاول مرة، في ثورة المشروطة، قال: "هذا خطأ.. ان الحاكم ظل الله.. الشاه، ايضاً، مثلي و مثلك، لافرق بيننا، ندفع اليه الضرائب للحفاظ على امننا، وان لم يستطيع نبلغه بالرحيل واحلال شخص أخر مكانه". تشكلت (هذه الثورة) في الذهن. اي، الانسان الذي يستطيع تغيير حاكمه،يفكر: هل ان الحاكم يعمل صائباً او غير ذلك.. هذه النظرة جديدة.
اضاف، عضو الهيئة التدريسية في جامعة طهران، موضحاً: ان ادبيات الامام تختلف عما هو متداول في العلوم الانسانية، قائلاً: الامام، كباقی المنظّرين، عندما يريد تعريف الانسان، يُعرّفه بما يتمتع به من ميزات. لذا، فان اول بحث يعرضه الامام، هو، ما للانسان من خواص وقدرات؟
فهو (سماحته) يعتقد بطيب فطرة الانسان. كلمات الامام تصّرح: بما ان فطرة الانسان صيغت بيد الله تعالى، وهو (اي الخالق المتعال) الحكمة (العقل)، العشق، الجلال والجمال الاصيل. يعني: ان الانسان اشبه مخلوق بالخالق.
اردف فيرحي بالقول، مؤكدا: لقد اخذ الانسان ابداعه من الله عزوجل. كان اليونانيون يذكرون سرقة العقل ومنحه لآدم! لكن ما تعبّر عنه الاديان الابراهيمية، ان الله جل جلاله، بنفسه، منح العقل لآدم. واختلاف ذلك هو قدرة الله تعالى على خلق (مايشاء) من لاشيئ. اما الانسان فليس بخالق بل هو مهندس. اي، انه لايخلق (المواد) وانما يغيّرها للانتفاع بها حسبما يريد. وبما ان مجيئ هذه الظاهرة من عالم الغيب، فهي نورانية وغير قاتمة. نحن الذين نخرب الانسان.
وادام، لافتاً للنظر: في ادبيات سماحة الامام (قدس سره)، الانسان يبحث عن البرهان والدليل. أيْ، انه لايقتنع الاّ باستدلال، وخلافاً للنظريات التقليدية التي تذكر ان ماقالوا هو مقبول ومعتبر، فهي تعكس (في زواياها)... الاطاعة واجبي (كأنسان). علىّ انْ افهم، لِمَن اُطيع؟ لكنّ غريزة الانسان (تبحث) عن الدليل وتطلب الاستدلال. واذا لم يصل (الانسان) الى ذلك، ففي القلب شيئ وفي اليد شيئ آخر! وأن اُضطر الى التصرف ايجاباً فهو (يركن الى التقية) وإنْ سلباً فهو منافق!
اضاف عضو الهيئة التدريسية في جامعة طهران مؤكداً: ان فطرة الانسان، في كلمات الامام، لها هيكل منطقي. فالاقناع والتوضيح لهما اهمية في الهيكل المذكور. لذا فانه لايمكن قبول شيئ، لأن شخصاً ماقال ذلك! بدون دليل واستدلال يُثبت فائدته.
في العالم الفكري لسماحة الامام، لاوجود لغير مصدرين ملزَمَين لدينا، اما ان يكون ذلك مدوناً في الشريعة او ان الانسان نفسه راضياً يوُجِد الالتزام. اي، مثلاً، اني صممت ان اقوم بهذا العمل. (عمل ما)، ولايمكن لمصدر آخر ايجاد التزام واصدار امر بذلك (لي) كأنسان! على ضوء هذا الدليل، فاذا ما وُجد حاكم، فوجوده اما ان يكون ذا برهان شرعي في حكمه او رضى الناس.
ادام فيرحي، مشيراً الى ان ای شيئ لا ينطبق وفطرة الانسان، عارٍ عن الصحة، قال: ان فطرة الانسان تبحث عن حياة سارية ومُوَجَّهة. فوضع القوانين انْ لم يأخذ بعين الاعتبار (الفطرة) فقد خالف الغريزة الانسانية وهو، بالنتيجة، غير مشروع!. حاولوا ان يكون عملكم صالحاً. اي، مطابقاً للطبيعة والفطرة. اعرب فيرحي، بالاشارة الى ان "حب الحرية" احد ميّزات الانسان حسب رؤية الامام الخميني (قدس سره)، قائلاً: اذا ما تعرض الانسان الى الرِق.. فانه يعتاد على نسيان نفسه، نتيجة لما عوُمِل به من احتقار وعبودية. مثل هذا الانسان، انسان مريض!
اننا لانريد، ابداً، فرض قِيَمنا على الشرق او الغرب، فالاسلام يعارض ذلك. لقد اشاع الاسلام، الحرية بكل ما تعنيه هذه الكلمة. اننا نطرح (رؤيتنا).. يقبلها من يرغب ويرفضها من لايرغب!
اضاف عضو الهيئة التدريسية في جامعة طهران: ان الحرية حسب نظرة الامام، ذات حدّين:
الاول: يتوجب ان لاتكون ولايمكن ان تكون خلاف العفة. الثاني: الحرية لايمكن، ايضاً، ان تكون خلافاً لحرية الآخرين. اي، انك حر الى الحد الذي تستطيع فيه عدم التعرض للعفاف العام، والاخلال بحرية الآخرين. فالامام (قدس سره) حتى في درس (ولاية الفقيه) لايستطيع الابتعاد عن اصل (الانتخاب). في رأيه، ان لم يُعطِ احد رأيه للمعصوم، فالمعصوم لايمكنه القيام باي عمل! (القبول الى جانب الشرعية)
قال فيرحي: العامل الآخر في ادبيات الامام، فطرة (المحبة). اي، ان الانسان ليس عدواً للأخرين، والواقع مبني على الحب، فهو (الحب) اهم من العدالة. لان، العدالة، (هي) انسان اناني يبحث عن الحصول على حقه، اما المحبة، فالانسان (فيها) يركن الى العطاء!.. فالمحبة ارفع من العدالة والعطاء ارفع من الحق. فالصمت او العطاء يوُقِف الصراع. لذا فصف السلطة القضائية للانظمة التي تعتمد على العدالة طويل!
على ضوء ذلك، ادبيات الامام (قدس سره) تُشير الى ان المحبة فطرة اوّلية والعداء يعتبر نوعاً من الفكر. مشيراً الى ( حب البقاء) لدى الانسان، قال فيرحي: ان الانسان يميل الى الحد الذي يتمنى فيه، (بقاء) اسمه، ايضاً، بعد الموت. لا شرعية لاية قدرة سياسية، اذا ما هدّدَت وجود الانسان. لذا، فقد اشار الفقه الاسلامي الى حرمة انتاج اسلحة الدمار الشامل. اوضح فيرجي: ان الانسان موجود يطلب الكمال، مضيفاً: ان الانسان يحاول ان يتمتع بافضل شيئ.. فاذا ما كنت خبّازاً، حاول ان (تنتج) افضل خبز، او حاكماً.. ان تكون حكومتك افضل (حكومة)... فأي نظام سياسي صائب او اية حياة صائبة، هي الخضوع فيها للدقة في الخدمات.. وليس تشجيع الآخرين على غض النظر عن اخظائهم!.. على هذا، فلايجب القيام بعمل يعارض فيه الدين الدنيا.
نقلاً عن جماران- بتصرف
القسم العربي، قسم الشؤون الدولية