بسم الله الرحمن الرحيم
العالم الذي نعيش فيه اليوم، مفعم بما لا حد له ولا حصر! بالعنف والتطرف والاصرار على ذلك، بتغليب مصلحة فردية او مصلحة مجموعة ما، صغيرة او كبيرة، تريد امتطاء صهوة جواد السلطة والاستعباد، مهما كلف الامر ! وان كان باراقة الدماء او اباحة اعراض الابرياء ! فالوصول الى الهدف، مطلب نهاية المطاف، والوسيلة الى ذلك مهما كانت، في متناول اليد, يجوز اتباعها واتخاذها، ومن ثم الادعاء وتزييف الحقائق ! ... وقد اسست دول على هذا المنوال، وقامت على جثث سكان الارض الاصليين، بعد ان وضعت السيوف على اعناقهم وحصدتهم عن بكرة ابيهم، اللهم الا النزر اليسير، حصاد منجل في رابعة النهار لمنتوج ما ! ... وامريكا السلطوية المنهارة، اخلاقيا، اجتماعيا، اقتصاديا، سياسيا وحتى عسكريا، هي النموذج الاول والدليل الاوضح، الذي لا لبس فيه. فقد قامت على جماجم الهنود الحمر، اصحاب الارض المسماة (امريكا) بعد ان توغلت في ابادتهم ومحوهم ! وما تسمى ب (اسرائيل)، دليل ثان على تغليب فئة على فئة اخرى، وابادة شعب لصالح شرذمة مشردة وتائهة هنا وهناك في اصقاع العالم ! اجتمعوا في ارض فلسطين المقدسة، واباحوا الحرمات، بكل ما تحمل الكلمة من معنى، بهدف اقامة كيان مزيف، مدعوم بخرافات منسوبة للتوراة، ابتدعها الصهاينة وحاخاماتهم، ويحلمون بامتدادها من الفرات الى النيل ! تساندهم بما اوتيت من قدرة، القوى الشيطانية، وعلى راسها الشيطان الاكبر، والعقل المدبر، امريكا, واقمار تدور في فلكها، تقبع في جحور على امتداد المعمورة ! متناثرة كقطع الدومينو ! وبعضها حتى لا يمكن رؤيتها على الخارطة بالعين المجردة، الا بدقة متناهية او مجهر مختبر ! وهي والوثن الذي تهرول نحوه، وتستجدي حمايته في الضرا ء والسراء، رغم انه عاجز عن حماية نفسه، لا تعدو غير وريقات اشجار خريفية، تذروها الرياح !. لقد ابتعدت دول تدعي الاسلام وتدين به، عن الاسلام وتعاليمه القيمة، وادارت ظهرها لكل ما امر به ونهى عنه ! وضربت بعرض الحائط ما جاء به القران الكريم وحذر منه، مهطعة الراس لفئة ضالة، مضلة، حائرة، لا تعرف حتى مسارها ! قال تعالى فيها: " لتجدن اشد الناس عداوة للذين امنوا اليهود ..."، 82/المائدة. اهكذا هي الدول المسماة (مسلمة) ؟!. ان رؤية الاسلام للانسان، بشكل عام، بغض النظر عن عرقه، لغته وانتمائه، هي، نظرة صائبة، تقوم على احترام الانسان كمخلوق افضل وارفع واكمل، بالنسبة للمخلوقات الاخرى، والسعي لهدايته الى مسار مستقيم قويم، يرتكز على حفظ مكانته وعدم انزلاقه الى مستنقع الشيطان، بكافة مسمياته. وجاء الاسلام ... الدين القيم، كاملا ..." اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا ." 3/ المائدة، لينير للانسانية جمعاء طريقها ويبدد ظلماتها، ويمحص قادتها وخلفاء قادتها. وتوالت السنون والاعصار بما فيها ... وحين التبس الليل بالنهار، وتواترت الفتن والمؤامرات على الامة الاسلامية، ومض برق اضاء الطريق لكل احرار العالم، خاصة في ايران، بانبثاق الثورة الاسلامية، وظهور قائد مسلم مضح بما لديه، ليعيد ما قامت عليه ثورة الحسين عليه السلام ... مبرهنا على، ان ابا الاحرار وسيد الشهداء (ع)، لم يمت ولن يموت ابدا، وها هي خطواته وبصماته، على ثورة اسلامية، شعبية عظيمة في ايران، يشاهدها الداني والقاصي، زلزلت عروش الطغاة واقضت مضاجعهم في كل مكان. ان الثورة الاسلامية المظفرة، وقائدها العبقري، رغم قدراتها الهائلة، وقاعدتها الشعبية الواسعة، لم تعامل من قابلها بمثله من العنف والتطرف، الا بعدان طفح الكيل وتمادى المعتدي في غيه، لم تتعامل الا في اطار، لم يخرج عما اوصى به الاسلام. قال الامام الخميني (قدس سره): "اذا ارتكب احد جريمة، فهل يجب على الثاني ان يرتكب جريمة، بحجة ان الاول ارتكب جريمة ؟ ... لا يجوز ... " (1) ... اي، يتوجب الركون الى الحكمة والموعظة الحسنة، خلال النزاع الفردي. مضيفا: " ... لكن، لو انه تعامل مع الموضوع بالعنف، ورد بالعنف، وهكذا العنف يولد العنف حتى النهاية. " (2). .. وهذا في الحقيقة، ما اوصى به الاسلام، تفاديا لتفكك المجتمع وابتعاده، عن القيام بالدور الملقى على عاتقه ... وهذا، ايضا, ما شاهدناه خلال ايام الثورة الاسلامية، من تضامن وتكاتف لا مثيل لهما، مما ادى الى انتصار الثورة، التي لم يخطر ببال الاعداء انتصارها بهذه السرعة ! ... وما اوصى به الامام (قدس سره)، ملهم وقائد الثورة، هو، دليل اخر على الاخوة الاسلامية وترسيخها بين المسلمين كافة ... " ... اوصي الحجاج الايرانيين الكرام، الحاملين لرسالة الاسلام والقران والثورة الاسلامية، ان يتحلوا بالمداراة والمسالمة مع المسلمين، والمسالمة حتى مع رجال الامن والشرطة هناك، سواء في مكة المكرمة او المدينة المنورة، وان لا يقوموا بالرد عليهم، في هذه المراكز، التي هي محل الامن، بل يقابلونهم باللطف وحسن الاخلاق الانسانية والاسلامية " (3)، غير ان العالم باسره، شاهد، قبل سنوات ما قام به ال سعود من مجزرة بشرية، لحجاج بيت الله الحرام، العزل، لا لشيئ او ذنب اقترفوه، وانما، لمناداتهم بالوحدة بين المسلمين، والبراءة من المشركين ! ... كان ذلك ذنبهم الوحيد ! الذي لم يغفر ! ... فهل اتعظ حكام الحرمين الشريفين، بايات القران الكريم ؟ وهم يدعون خدمة وحماية الكعبة المقدسة !. ان الامام الخميني (قدس سره) منادي تغليب العقل على الجهل، حيث ان لكل منهما جنود، فقد يسيطر العقل بجنوده على الانسان وافعاله، وربما يسطر الجهل بجنوده على ذلك ... وهنا تبرز الحكمة والموعظة الحسنة، والرؤية الواضحة بالنسبة للعنف والتطرف. فسماحته (قدس سره) يرى، انه كلما تفوق العقل واقتدر بجنوده واتباعه، اصبح العالم اكثر امنا واستقرارا، وهذا ما نراه في كتابه (جنود العقل والجهل) وكتبه الاخرى. فصيانة افراد المجتمع الاسلامي خاصة، واحدا ... واحدا، هو ما اراده الاسلام وسعى اليه، بهدف ايجاد مجتمع قوي، فاضل ومقتدر، يذود عن الاسلام والمسلمين، ويكون نواة لمجتمع اسلامي اكبر، يمتد على كافة ارجاء المعمورة برمتها. هذا لا يعني بالطبع، وقوف المجتمع الاسلامي مكتوف اليد، امام ما يقوم به اعداء الاسلام، للنيل من المسلمين ومكتسباتهم، خاصة، الثورة الاسلامية الايرانية المجيدة.
_______
1- صحيفة الامام العربية، ج 14, ص 142.
2- نفس المصدر.
3- نفس المصدر، ج 19, ص 32.
د. سيد حمود خواسته، القسم العربي، الشؤون الدولية، مؤسسة تنظيم ونشر تراث الامام الخميني (قدس سره) .