نجاح محمد علي
مع استمرار التصعيدات الأمنية المتزايدة التي تواجه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بما في ذلك إحتمال تكرار الهجوم العسكري الصهيوأميركي، وتكرار الضربات في سوريا ولبنان، واستهداف الحلفاء الإقليميين مثل حزب الله وأنصار الله، يبرز الحديث مجدداً، والبحث الفقهي في قضية تطوير السلاح النووي كأمر استراتيجي حاسم.
ففي طهران يتصاعد جدل فقهي و سياسي عن إمكانية إعادة النظر في فتوى تحريم السلاح النووي، بالاستناد إلى قواعد الفقه الجعفري، وآراء كبار العلماء مثل الإمام الخميني (قدس سره) والعلامة الطباطبائي صاحب تفسير الميزان ، مع التركيز هنا على الردع الدفاعي والحماية، لا العدوان، و الاستناد إلى مصادر بحثية متنوعة تشمل فتاوى رسمية، تفاسير قرآنية، روايات أهل البيت (عليهم السلام)، وتحليلات استراتيجية حديثة، بأدلة تحقيقية، و النظر في الآراء المتناقضة.
أولاً: التحريم والفحص الفقهي
فتوى سماحة السيد الخامنئي، التي صدرت عام 2003، تحرم تطوير واستخدام الأسلحة النووية، مستندة إلى قاعدة “حرمة الأسلحة التي تؤدي إلى الإبادة الجماعية”.
تعتبر هذه الفتوى رداً على ادعاءات صهيونية بأن إيران تسعى لصنع سلاح نووي، وتؤكد أن الإسلام يحرم أي أداة تؤدي إلى قتل الأبرياء بشكل جماعي . ومع ذلك، يفرق الفقه الجعفري بين الوسيلة والمقصد: الوسيلة ليست محرمة بذاتها، بل يعتمد الحكم على الغاية. كما يوضح ذلك في النقاش الفقهي ، حيث يُسأل أي مرجع ديني : “هل السلاح النووي محرم بذاته؟”، ويُجاب بأنه ليس كذلك، بل يعتمد على الاستخدام .
مثال تحقيقي: السكين مباح في المطبخ، واجب في الذبح، ومحرم في القتل العمد. بالمثل، يمكن اعتبار السلاح النووي جائزاً للدفاع إذا كان التهديد وجودياً. في بحث تحقيقي، يشير موقع الشيخ حسين الخشن إلى أن “قوة الردع” لا تقتضي الحرب، بل تمنعها من خلال التوازن، مما يجعل تطوير السلاح النووي واجباً شرعياً في ظل تهديدات إسرائيلية وأمريكية . ومع ذلك، هناك آراء معارضة، مثل تصريح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي عام 2025، الذي أكد أن الفتوى تحرم الإنتاج والاستخدام تماماً . كما رفض السيد خامنئي تعديل الفتوى في يناير 2025، ورأى تطوير بدائل مثل الطائرات المسيرة والصواريخ. لكن تقارير أخرى، في فبراير الماضي، تتحدث عن مطالبات داخلية من قادة الحرس الثوري لإعادة النظر بسبب “تهديدات وجودية” .
هذا الفحص يظهر تنوع الآراء داخل الفقه الشيعي، حيث يرى بعض العلماء أن التحريم ليس مطلقاً، بل مشروطاً بالاستخدام العدواني.
ثانياً: الردع وسنن القوة في القرآن والروايات يأمر القرآن الكريم بإعداد القوة: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ (الأنفال: 60). في تفسير “الميزان” للعلامة الطباطبائي، يُفسر هذا بأن القوة تشمل كل العناصر العسكرية والنفسية، بما فيها التكنولوجيا الحديثة للردع . ويؤكد الطباطبائي أن الهدف ليس القتال، بل إيقافه من خلال الإرهاب النفسي للعدو .
تحليل بحثي: في العصر الحديث، يُعتبر السلاح النووي أقوى أداة للردع، كما يظهر في تصريحات المسؤولين الإيرانيين وداخل مجلس النواب التي تربط الردع النووي بتغيير قواعد الاشتباك مع الكيان الصهوني . كما يشير تفسير الطبري إلى أن الإعداد يجب أن يكون شاملاً لإخافة العدو . ومع ذلك، يرى بعض التفاسير، مثل “التفسير الوسيط”، أن الإعداد فريضة كفائية، لا تشمل بالضرورة الأسلحة النووية إلا إذا كانت ضرورية للدفاع .
ثالثاً: فقه الإمام الصادق (عليه السلام) في الردع الشامل
ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): “إن القوة في هذا الزمان هي السلاح، فليكن عندكم ما تخيفون به عدوكم”. هذه الرواية، كما في “ميزان الحكمة” للريشهري، تؤكد أن الردع هو المقصد، لا القتل . في سياق التهديدات الصهيونية والأمريكية، يصبح امتلاك السلاح النووي تطبيقاً مباشراً لهذه الرواية.
في رواية أخرى عن الإمام الصادق: “الرمي سهم من سهام الإسلام”، مما يشجع على تعلم الأسلحة للردع . وفي “موسوعة الإمام علي”، يُذكر أن الإمام الصادق حافظ على الجبهة الشيعية بالتقية، لكنه أوصى بالقوة لمواجهة العدو. تحليلات كثيرة كتبت في طهران تربط هذا بـ”سلاح العقل”، لكن في ظل التهديدات العسكرية، يتوسع إلى السلاح النووي.
رابعاً: ولاية الفقيه وحفظ النظام وأولوية الدولة
الإمام الخميني (قدس سره) قال بوضوح: «حفظ نظام الجمهورية الإسلامية أهم من حفظ شخص واحد، ولو كان الإمام المهدي (عج)، لأن الإمام المهدي نفسه يفدي نفسه من أجل الإسلام»
(صحيفة الإمام، ج 15، ص 365).
المقصود أن حفظ كيان الإسلام والمشروع الإلهي المتمثل في النظام الإسلامي أوجب الواجبات، حتى أن الإمام المعصوم يضحي بنفسه لأجل بقاء الإسلام. فإذا كان النظام معرضاً للزوال، وجب على الحاكم تقديم مصلحة النظام حتى لو أدى ذلك إلى مخالفة حكم أولي” . هذا يجعل تطوير الردع النووي واجباً ثانوياً إذا اقتضت الضرورة.
فالإمام الخميني، يُؤكد أن حفظ الجمهورية الإسلامية واجب عقلي وشرعي . وفي “صحيفة الإمام”، يُشدد على أن النظام مستهدف، ويجب على المسلمين حفظه .
خامساً: قاعدة الضرورات تبيح المحظورات
حتى لو كان السلاح النووي محرماً، فإن القاعدة: “الضرورات تبيح المحظورات” تسمح به دفاعياً إذا كان الخطر مباشراً. كما في “قاعدة لا ضرر” للسيستاني، تُبيح المحظورات بشرط عدم نقصانها عن الضرورة .
تطبيقات بحثية: في بحث من “الموسوعة الفقهية”، تُطبق على أكل الميتة أو الخمر في المخمصة، وتمتد إلى السلاح النووي في حال تهديد إسرائيلي . وفي “الكافيل”، تُبيح الحلف كاذباً لدفع الضرر . التهديدات الإسرائيلية تجعلها ملحة، كما في تصريحات 2025 عن إعادة النظر في العقيدة النووية .
سادساً: الواقع الاستراتيجي ودور الردع النووي
إسرائيل نفذت عمليات في سوريا بعد إسقاط الأسد، والعدوان مستمر على لبنان، من هنا تبرز أهمية مناقشة تحريم السلاح النووي كرسالة أخلاقية وسط الحرب .
امتلاك النووي رادع يحمي من الإبادة، كما يقول نائب طهران أحمد نادري: “حان الوقت لإعادة النظر في العقيدة النووية” .
في الختام، احترام فتوى السيد الخامنئي واجب، كاجتهاد رفيع. لكن الواقع المتغير، كما في تقارير التهديدات الإسرائيلية المدعومة أمريكياً ، يفرض إعادة النظر لضمان حماية الأمة. الردع النووي، مستنداً إلى الفقه الجعفري، أداة للأمن، لا عدوان.
كاتب عراقي
-------------
القسم العربي، الشؤون الدولية، نقلا عن جريدة رأي اليوم.