د. رعد هادي جبارة
قراءة موسَّعة في سجلّ الانقلابات والعمليات السرّية والمعلنة (1945– 2025)
مقدمة:
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وجدت الولايات المتحدة نفسها في موقع الدولة الأقوى سياسيًا واقتصاديًا و عسكريًا على صعيد العالم. ومع صعودها كقوة عظمى، تداخل مفهوم “الأمن القومي” الأميركي مع سياسات التدخل السافر في شؤون الدول الأخرى، سواء عبر الانقلابات السرّية، أو العمليات العسكرية والمخابراتية المباشرة، أو الضغوط الاقتصادية و السياسية. يعتمد هذا السلوك – الذي امتد سبعين سنة – على رؤية تَعتبر أن استقرار النظام العالمي يجب أن يكون وفق ما يخدم هيمنة ومصالح واشنطن و اطماعها!.
إن جزءًا كبيرًا من تلك التدخلات موثق رسميًا، اعترفت به الولايات المتحدة لاحقًا، أو كشفته الوثائق المفرج عنها، أو رصدته تحقيقات دولية مستقلة.
هذا المقال يقدم قراءة موسّعة ومعمقة ومختصرة لهذا السجلّ الطويل، وبمقاربة نقدية، تجمع بين الوقائع المعلنة و الأحداث السرّية التي تأكّد حدوثها.
أولًا: التدخلات السرّية – الانقلابات والحروب الخفية
على سبيل المثال، لا الحصر:
انقلاب مصدّق 1953 (عملية أجاكس)
يُعدّ هذا الحدث نقطة البداية في “مدرسة الانقلابات” التي تبنّتها CIA.
بعد تأميم مصدّق للنفط الإيراني، تحركت بريطانيا والولايات المتحدة لإسقاط حكومته. تكشف الوثائق الأميركية والبريطانية — التي رُفعت عنها السرية — أنه تم تحريك الشارع، و استقطاب ضباط في الجيش، حتى الإطاحة به وإعادة الشاه من أجل ضمان المصالح النفطية الغربية -أولاً- و منع تمدد الاتحاد السوفييتي-ثانياً.
2.تدبير الانقلابات في أمريكا اللاتينية
تمتلك القارة اللاتينية الأرشيف الأكبر للتدخلات الأميركية، ومن أبرز الأمثلة:
أ. غواتيمالا 1954
سقط الرئيس جاكوبو أربينز في انقلاب دعمته CIA .
ب. البرازيل 1964
تشير وثائق عديدة إلى دعم واشنطن للعسكر ضد الرئيس غولار ذي التوجهات اليسارية.
ج. تشيلي 1973
تدبيرانقلاب الجنرال بينوشيه ضد سلفادور أليندي، وهو من أكثر الانقلابات التي وُثّقت فيها بصمة الولايات المتحدة، سواء ماليًا أو استخباراتيًا.
د. نيكاراغوا – دعم الكونترا
في الثمانينيات، موّلت إدارة ريغان قوات معارضة مسلحة لإسقاط حكومة الساندينيستا اليسارية، في فضيحة “إيران–كونترا” الشهيرة.
هـ. بنما – إسقاط وأسرالرئيس نورييغا في غزو مباشر لبنما عام 1989.
ثانيًا: التدخلات في الشرق الأوسط – بين السرّية والعلن
لبنان
شهد لبنان تدخلين أميركيين كبيرين:
■عام 1958
■وفي الحرب الأهلية 1982–1984
حيث نزلت قوات المارينز وانتشرت في بيروت، قبل انفجار مقر المارينز الشهير الذي أدى إلى انسحابهم.
أفغانستان
أ. دعم ( المجاهدين ) ضد السوفييت.
ب. الغزو المباشر 2001
بعد هجمات 11 سبتمبر، غزت واشنطن أفغانستان وأسقطت حكومة طالبان، وظلت القوات الأميركية 20 عامًا قبل الانسحاب عام 2021.
3.العراق–الحصار، الحرب، الغزو، والتدخل المباشر عسكريا
أ. حرب الخليج 1991؛في هذه الحرب:
استخدمت الولايات المتحدة مئات صواريخ توماهوك في قصفه ومنها ملجأ العامرية، حيث قتل أكثر من 400 مدني من الأبرياء،فيه.
ب.الغزوالعسكري عام2003
أُسقطت القوات الامريكية نظام صدام بعد حملة عسكرية ضخمة، لاستخدامه أسلحة الدمار الشامل في هجماته الداخليةوحروبه الخارجية،وقد تخلص الشعب العراقي من نظام دموي ظالم.
ج. الوجود العسكري بالعراق بعد 2003
ليبيا
في 2011م، قادت الولايات المتحدة وحلف الناتو حملة جوية أدت إلى سقوط نظام معمر القذافي .
سوريا
مارست الولايات المتحدة تدخلًا متعدد الأشكال عبر:
دعم فصائل عسكرية
ضربات جوية ضد الجيش
دعم قوات قسد في الشمال الشرقي
وجود قواعد عسكرية في الحسكة ودير الزور
اليمن
تدخل أميركي مباشر عبر:
حاملات الطائرات
الطائرات المسيّرة
عمليات ضد تنظيمات
دعم استخباراتي للهجوم السعودي
ضربات جوية
محاولات إسقاط حكومة الحوثيين بشكل مباشر .
ثالثًا:الصراع الإيراني-الاميركي طيلة 45 عامًا
1.عملية طبس (1980)
حرب الناقلات والاشتباكات البحرية (1987–1988)
استهدفت البحرية الأميركية:
منصات نفط إيرانية
قطع بحرية
مواقع رادار
إسقاط الطائرة المدنية الإيرانيةفي يوليو 1988، من قبل البحرية الأميركية؛ رحلة إيران إير 655، وقتل فيها290 مدنيًا
اغتيال القائدين الفريق قاسم سليماني قائد فيلق القدس ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس،في يناير 2020، :
ضربات على منشآت نووية
صرّح ترامب باستهداف مواقع نووية إيرانية في:
نطنز-أراك-فوردو
رابعًا: فنزويلا – الانتقال من السرّية إلى العلنية
في عهد دونالد ترامب، اتخذت واشنطن مواقف غير مسبوقة تجاه فنزويلا:
الاعتراف بخوان غوايدو رئيسًا
فرض حصار اقتصادي واسع
تهديدات متكررة “بالخيار العسكري”
تصريحات تطالب الرئيس المنتخب مادورو بمغادرة البلاد
تقارير عن غارات ضد قطع بحرية وتهديد بضرب منشآت برّية
خامسًا: الحرب الأوكرانية–الدعم المباشر والحاسم لاوكرانيا ضدروسيا
منذ 2022، لعبت الولايات المتحدة دورًا محوريًا في الحرب عبر:
تمويل بالمليارات
تسليح متقدم
معلومات استخباراتية
عقوبات اقتصادية ضد روسيا
سادسًا: العمليات المعلنة:
قصف هيروشيما وناكازاكي (1945)
قتلت القنبلتان:
140 ألفًا في هيروشيما
80 ألفًا في ناغازاكي
الغزو المباشر لبنما،أفغانستان،العراق
إسقاط نورييغا
إسقاط طالبان
إسقاط صدام
التدخلات في لبنان، ليبيا، سوريا، اليمن
كلها موثقة عبر بيانات رسمية للبنتاغون.
خاتمة:
سواء في الانقلابات السرّية، أو الحروب المعلنة، أو التدخلات الاقتصادية والسياسية، فإن الولايات المتحدة مارست على مدى سبعين عامًا دورًا واسعًا في صياغة خرائط السلطة حول العالم.
بعض تلك السياسات اعترفت به واشنطن صراحة، وبعضه كشفته الوثائق، وبعضه بقي في دائرة الاتهامات.
لكن المؤكد أن سجلّ التدخلات الأميركية – المعلنة والسرّية – أصبح اليوم جزءًا لا يتجزأ من تاريخ العالم الحديث، ولا يمكن تجاهله أو إنكاره .
باحث سياسي
ودبلوماسي سابق
-----------
القسم العربي ، الشؤون الدولية ، جريدة رأي اليوم .